Sunday, June 14, 2015

الانبهار بداعش

                                                  بسم الله الرحمن الرحيم


قال الإمام الشافعي: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة [١] و قال أبو اليزيد البسطامي: لله خلق كثير يمشون على الماء ولا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود[١].
الأقوال المأثورة السابقة تشير بوضوح إلى ان معيار صلاح إنسان ما هو مدى التزامه بنهج الله عز و جل، مهما من أوتى من كرامات أو حقق من انتصارات و نجاحات فلا ينبغى الاغترار به حتى نرى مدى موافقة أعماله و أخلاقه للكتاب و السنة.
  إذا كان ذلك معيار السلف الصالح فى الحكم على الإنسان فلماذا نجد  بعض المسلمين الآن منبهرين بانتصارات داعش فى العراق و سوريا و بعضهم يدعى أن انتصاراتها و تكالب الشرق و الغرب لمحاربتها دليل على صلاح منهجها لكن بالطبع هذا منطق خاطئ لأن المعيار الحقيقى هو مدى موافقة منهج الله عز و جل فهل تلتزم  داعش فعلا بالكتاب و السنة؟

تتبنى داعش مشروعا و أهدافا مختلفة عن مشروع الثورة السورية فهدف داعش تأسيس دولة الخلافة لكن هدف الثورة السورية رفع الظلم وتأسيس دولة الحرية و العدل، فى سبيل تحقيق  مشروعها  غدرت داعش بالمجاهدين و الثوار و سلبت منهم الأرض، قتلت الأبرياء، كفرت المخالفين لها، أشاعت الخوف و الرهبة فى قلوب الناس، فهل  فى ما تفعله داعش موافقة لشرع الله !!الإسلام رسالة سماوية, لا يمكننا أن نتبع من يتجاهل ذلك و يتحجج بأن الغاية تبرر الوسيلة. كيف نصل لرضا الله بمعصيته؟!ما الفرق بين بشار وداعش, كليهما يقتل الأبرياء و يسلب الأرض من أصحابها, لماذا أتبع داعش و لا أركن إلى بشار, فكليهما مخالف  لمنهج الله.
يقول د.ونيس المبروك عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين :
إن نصرة الدين ، وتحكيم الشريعة هي مقاصد كبرى وغايات عظمى ،لا ينكرها مسلم ، ولكن شأنها شأن أي مقدس في الدين ، يمكن أن يكون – كما أراده الله تعالى – رحمةً ، ، وعدلاً ، ونوراً ، وحياة ، إذا كان موافقا لهدي الإسلام وسعة أحكامه، وروعة مقاصده ، وتجليات خصائصه ، ثم صدر من أهله وفي محله .....ويمكن أن ينقلب إلي قسوةٍ ، وظلمٍ ، وظلامٍ، وهلاكٍ ، إذا خالف هدي الإسلام ، و تحكمت فيه الأهواء ، وأهملت فيه المقاصد ، وتسوّر جدارَه الجهلةُ ، و"حدثاءُ الأسنان" فالقرآن وهو كتاب الهدى والشفا ، قد يكون في آذان أهل الأهواء وقراً ، وفي أعينهم عمى! قال تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى والصلاة وهي عمود الدين ، قد تنقلب على صاحبها ثبوراً و" ويلا " قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُون) والعلم ،وهو ميراث النبوة ، قد يهبط بصاحبه لأرذل المقامات .قال تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)  والشواهد في ذلك كثيرة ، فجمال المقصود ،وإخلاص القصد، لايغني بأي حال عن صحة الوسيلة، وصواب العمل.
 نحن نعانى الآن من ظاهرة الاغترار بالقوة و السيادة و جعلها هى المعيار للحكم على الأشخاص و الجماعات ليس فقط مع داعش و لكن مع الغرب أيضا. 

تخيل أن هناك قرية نائية فى إحدى الدول الإفريقية يمارس أفرادها زواج المحارم، يمكن للنساء هناك أن تتزوج بأكثر من رجل، كيف سيتناول الإعلام على مستوى العالم أخبارها، كيف سيحكى الرحالة و المستكشفون عنها؟ يالتأكيد سيتم تناول أخبارها بشئ من الاستغراب و التعجب و الطرافة، سينظر إليهم على أنهم قوم بدائيين متخلفين و سينظر إلى أفعالهم بشئ من التقزز فكيف يتزوج رجل من ابنته أو أخ من أخته!

لكن السؤال المهم هل سيحاول أحد من دول العالم الثالث تقليدهم، هل سيحاول أحد الدفاع عن حقوقهم الشخصية؟ الإجابة ببساطة لا. لماذا؟ أحد الأسباب هى أنهم فى نهاية السلم الحضارى، ليس لديهم ما يقدمونه للبشر للانبهار بهم و بحضارتهم، لا شئ يدعو لتقليدهم.

حتى نعرف كم التناقض الذى نعيشه و أننا مبهورون و مغرر بنا من قبل الدول الغربية ذات السيادة الحضارية فلنأخذ مثالا كزواج المثليين، ما الفرق بين مثال القرية الإفريقية الآنف الذكر و زواج المثليين، كلاهما مقزز للفطرة السليمة و مخالف لسنة الله فى الأرض فلماذا إذن ينبرى أناس كثيرون على مستوى العالم فى الدفاع عن حقهم فى الزواج، لماذا نجد من بيننا نحن المسلمون من يدافع عنهم؟ لماذا لا يدافع الجميع عن زواج المحارم. لسبب بسيط لأن الحضارات القوية تفرض إرادتها و سيطرتها و بسبب تسيدها لللأرض يبدأ البعض فى الاعتقاد بصواب ما تفعله.

لدى اعتقاد كبير بأن شيئا مثل زواج المحارم الذى ينظر إليه الجميع بتقزز الآن سيصبح شيئا يدافع عنه بدعوى الجرية الشخصية عندما يعلن الغرب قبوله و عندما يصبح شيئا مستشريا هناك.

مثلما يفرض الغرب قيمه و أخلاقه بسيادة حضارته، تدلل داعش على صحة منهجها بالانتصارات التى تحرزها فى سوريا و العراق و للآسف فى كلا الحالتين هناك المنبهرون دائما، عافانا الله و إياكم.
 
المراجع
١ - إسلام ويب


No comments:

Post a Comment