Thursday, October 20, 2016

موقف غريب أم سلبية

                            بسم الله الرحمن الرحيم

هناك بعض أحداث الحياة اليومية التى تمر علينا و لا نستطيع أن نفسر مغزاها أو نعرف لماذا تصرف الناس بهذا الشكل لكن قليل من التفكير اللاحق  قد يجلى سر هذه التصرفات.

فى أحد الأيام بينما كنت فى مترو الأنفاق وأنا أجلس منتظرة الوصول إلى  إحدى المحطات بفارغ الصبر إذ بى أسمع صوت رجل داخل عربة السيدات مرتفع و يشتم و يسب فى جنس النساء. كان هذا الرجل هو أحد الباعة الجائلين الذين يركبون أية عربة سواء كانت للرجال أم للسيدات كأنهم نوع خاص يمكنه الركوب فى أى مكان و لايهم إذا كانت العربة مزدحمة و من المحتمل جدا أن يصطدم بإحدى السيدات! كان هذا الرجل غاضبا و كما استنتجت يبدو أن إحدى السيدات أو الفتيات فى المترو قد أغضبته فى شيئا ما فانطلق لسانه مسيئا و شاتما لجميع النساء. ما أثار تعجبى هو أنه نسى أنه فى عربة السيدات و محاط بهم من كل جانب و بالطبع هذا لا يدل على شجاعته بل على احتقاره للسيدات و أنه لا يقيم لهن وزنا. الشئ الذى نسيت أن أذكره أنه لم يكن كبيرا فى السن بل كان شابا يبدو أنه فى العشرين من عمره.


الشئ الأعجب من كل ما سبق هو أنه لم تتدخل أية واحدة من النساء لترده أو تعاتبه على ما يقول كأنه يتحدث عن مخلوقات أخرى غيرنا, كم مزعج من السلبية! كان الغضب يغلى بداخلى و أنا أراه يبعثر كرامة النساء على الأرض و لسانه يرغى و يزبد بإهانات غير منقطعة فانتظرت حتى اقترب من المكان الذى أجلس و واجهته بإهانته و كيف أنه لا يحق له من الأساس أن يركب عربة السيدات فكيف به فوق ذلك يسب جنسهم. لم يستطع أن يقول لى شيئا سوى "لن أرد عليكى" , تدخلت إحدى الراكبات مؤيدة لموقفى و انتهى الموقف. لكن الذى صدمنى و أثار حنقى و استيائى و تعجبى هو أنه ما إن اقترب هذا البائع من باب الخروج حتى وجدت إحدى السيدات تحدثه و تهون عليه الأمر و كأنها تخبره و تقول له "ولا يهمك" او "ما تزعيلش".

سبحان الله! كل هذه الإهانات و فى النهاية تخففى عليه الأمر و كانك تعتذرين له!
موقف أثار حيرتى حقيقة و لكن بعد قليل من التفكير يمكن أن تتبين أشياء عدة, أولا تلك المرأة كما يبدولا يفرق معها إهانة النساء كثيرا طالما أنه لم تتم إهانتها شخصيا. ثانيا تلك المرأة كانت إلى حد ما كبيرة فى السن و قد يكون البائع فى عمر احد أبنائها و قد يكون هذا ما جعلها تتعاطف معه. ثالثا هناك عامل نفسى يمكن أن نتعرض له جميعا هو أنك عندما ترى إنسانا بمفرده يهاجمه الآخرون فأنت قد تتعاطف معه لا شعوريا حتى لو كان هو المخطئ. كنت قد قرأت دراسة ذات مرة ان الناس تتعاطف مع المجرم بعد ارتكابه جريمة القتل بعكس أنه لو حاول القتل و فشل فهم يوبخونه و يؤنبونه. و دراسة أخرى تتحدث عن إحساس الناس بالحزن و الجزع لشخص واحد يتعرض لمأساة أكثر من لو أن مجموعة من البشر  تعرضت لذلك. هل نذكر صورة الطفل إيلان الكردى و الطفل عمران دقنيش. كيف غزت صورهما وسائل التواصل و انتشرت فى جميع وسائل الإعلام على الرغم من مئات الألآف من السوريين الذين ماتوا و الدمار و الخراب الذى حل بسوريا!. إنها طبيعة البشر.

بالطبع الأسباب التى ذكرتها فى المقطع أعلى ليست مبرر أن لا نوقف المخطئ أو نتهاون مع المهمل لكنها توضح أننا نمر جميعا بعوامل أو ضغوط نفسية أوأفكار قد تهون الخطأ أو الفساد أو الإهمال فى نظرنا او حتى تجعلنا نتعاطف معه لكن هذا لايبرر عدم تحكيم العقل فى تلك اللحظة أو اتباع الهوى أو العاطفة لأنه لا يتصور مثلا أن لا يعاقب السارق او القاتل مثلا لمجرد أننا نشعر بالشفقة تجاههه انه سوف ينال العقوبة و يصبح متهم و يدخل السجن.

No comments:

Post a Comment