Tuesday, May 20, 2014

صوت الماضى

                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

إشعاع يملئ كافة أرجاء الكون، قادم من الماضى السحيق يحمل فى طياته معلومات عن بدايات خلق الوجود؛ إنه إشعاع خلفية الكون أو كما يعرف بالإنجليزية Cosmic Microwave Background Radiation.

فى المراحل المبكرة من عمر الوجود، كان الكون ساخنا جدا، و كان مكونا فقط من حساء من البروتونات و الإلكترونات و الفوتونات(الضوء مكون من جسيمات تسمى الفوتونات) فى حالة اصطدام مستمر مع بعضهم البعض، لم يكن الضوء قادرا على الفرار من تلك التفاعلات المتواصلة ولو نظر أحد للكون فى ذلك الوقت لوجده معتم حيث الضوء لم يكن يستطيع الهروب ليصل إلينا. لكن رغم درجة حرارة الكون المرتفعة فقد كان فى نفس الوقت يتمدد و بالتالى يبرد و استمر ذلك حتى و صلنا إلى عام ٣٨٠ ألف من عمر الكون، كان الوجود فى ذلك الوقت قد اتسع و برد بدرجة كافية تسمح للفوتونات بالتحرر و بارتباط  البروتونات و الإلكترونات لتكوين ذرات الهيدروجين!


 إشعاع الخلفية الكونية- Wikimedia commons 
عندما تحررت الفوتونات انطلقت فى جميع الاتجاهات فى الكون وهى لها نفس درجة الحرارة حتى وصلت إلينا اليوم (لكن بدرجة حرارة أقل كثيرا) و فى جعبتها أسرار عن نشأة الوجود حتى العام ٣٨٠ ألف من ميلاده.


يمكن توضيح أكثر بالمثال الآتى تخيل(وإن لم يكن دقيقا جدا، هو فقط لتقريب الصورة) أنك وصلت إلى شارع ما فوجدت هناك مجموعتين من الأفراد يتشاجرون، مجموعة ترتدى الزى الأحمر و أخرى ترتدى زيا لونه أصفر و جدتهم فى حالة التحام شديد مع بعضهم البعض فما يكاد فرد من الفريق الأصفر ينتهى من التصادم مع أحد أفراد الفريق الأحمر حتى يلتحم مع فرد آخر و فى أثناء تصادمهم مع بعضهم البعض كانت منطقة الشجار فى الشارع تتسع و تقل كثافة المتشاجرين حتى وصلنا إلى الدقيقة مثلا ٥٠ من بدء المعركة استطاع أفراد الفريق الأصفر الفرار من قبضة الفريق الأحمر و فروا منتشرين فى جميع الاتجاهات. الفريق الأصفر هنا هو الضوء الذى استطاع أن يتحرر و ينتشر فى كافة أرجاء الكون.

كما ذكر سابق فإن ذلك الإشعاع القديم له نفس درجة الحرارة من جميع الاتجاهات  (ذلك يمثل لغزا للعلماء) و لكن هناك إختلافات متناهية فى الصغر، تلك الاختلافات هى المسئولة عن تكون المجرات و النجوم و الكواكب فى الكون.

اكتشف إشعاع الخلفية الكونية على يد أرنو بنزياس و روبرت ويلسون عام ١٩٦٤ و نالا عليه جائزة نوبل عام ١٩٧٨ و اليوم يمر خمسين عاما على اكتشاف هذا الإشعاع و الذى يمثل اكتشافه أهم برهان على صحة نظرية الانفجار العظيم.

No comments:

Post a Comment