Monday, March 3, 2014

الذرة:تومسون و الأشعة الغامضة و رغيف الزبيب

                           بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
عالمنا اليوم هو العالم الإنجليزى J .J .Thomson (١٨٥٦-١٩٤٠) الذى اكتشف الإلكترون(أول جسيم دون ذرى نتعرف عليه) عام ١٨٩٧عن طريق دراسته لأشعة المهبط (التى سنتعرف عليها بعد قليل )، و حصل بسبب اكتشافه هذا على جائزة نوبل عام ١٩٠٦ (و أيضا بسبب أبحاثه عن التوصيلية الكهربائية فى الغازات)[١،٢]، جدير بالذكر أن ستة من تلاميذه نالوا أيضا جائزة نوبل!                                  
J .J .Thomson
 Wikimedia Commons 

كان الاعتقاد السائد عند العلماء خلال القرن التاسع عشر بعد نظرية دالتون الذرية، أن الذرة هى وحدة بناء جميع المواد وأصغر جزء من العنصر و غير قابلة للانقسام لكن هذا الاعتقاد تغير بعد اكتشاف الإلكترون على يد تومسون.

ما هى أشعة المهبط؟
 يقف ج.ج.تومسون  فى معمله محاولا كشف أغوار تلك الأشعة المجهولة المسماة أشعة المهبط، محدثا نفسه "يا إلهى لقد مضى الكثير من الوقت منذ اكتشاف تلك الأشعة و مجهود الكثير من العلماء، لماذا هى عصية بهذا الشكل ".



قبل أن نعرف كيف وجد تومسون سر تلك الأشعة، نتركه قليلا  ونتحدث بالتفصيل عن قصة تلك الأشعة.  تمكن عالم بريطانى يدعى ويليام كروكس من اختراع أنابيب  تفريغ كهربائى تسمى أنابيب كروكس[٣] . هذه الأنابيب مصنوعة من الزجاج و مفرغ  معظمها من الهواء (هى تطوير لأنابيب تم اختراعها بواسطة الفيزيائى Heinrich Geissler فى عام ١٨٥٧)، مثبت داخلها قضيبين من المعدن، متصلان ببطارية كهربائية، أحدهما متصل بالقطب الموجب للبطارية و يسمى المصعد و الآخر متصل بالقطب السالب للمصدر و يسمى المهبط [٣]، استخدمت تلك الأنابيب فى التعرف على أشعة المهبط (سميت باسم المهبط لأنه كما اكتشف العلماء تنبعث من القضيب السالب المسمى المهبط) الغامضة، فكيف حدث هذا؟  


اكتشاف أشعة المهبط  و التعرف على خواصها شارك فيه العديد من العلماء لكن تحديد كينونتها بدقة كان من نصيب تومسون.  وجد العلماء أنه عند التأثير بفرق جهد عال وعند ضغط هواء منخفض  تبدأ أشعة من الضوء بالسريان بين المهبط و المصعد  لكن عند تقليل ضغط الهواء أكثر تبدأ منطقة إظلام بجانب المهبط  تزداد  كلما قل ضغط الغاز داخل الأنبوبة أى كلما تم إفراغها من الغاز. عند ضغط غاز معين تبدو الأنبوبة كلها مظلمة، ما عدا عند نهاية الأنبوبة(بعد المصعد) حيث تبدأ بالتوهج [٥]. استنتج العلماء أنه طالما هناك شئ ما توهج عند نهاية الأنبوبة فلابد أن هناك أشعة غير مرئية قد سرت من المهبط إلى المصعد ، لاحظوا أيضا أن المصعد يترك ظلال حادة على جدران الأنبوبة مما يدل على انها تسير فى خطوط مستقيمة [٥]. 

لبث العلماء فى حيرة من تلك الأشعة الغير مرئية وانقسموا إلى فريقين بعضهم اعتقد أنها موجات من نوع آخر غير الضوء و البعض كان رأيه أنها جسيمات و كان منهم تومسون [٤]، كان أيضا بعض العلماء يعتقد أن أشعة المهبط إذا كانت جسيمات مشحونة فربما هى ليست نوع غير معروف بل فقط ذرات مشحونة. كان العلماء فى حاجة لمزيد من التجارب لتحديد ماهيتها بدقة, كان من تلك التجارب التى أجروها تجربة للتأثير على الأشعة بمجال مغناطيسى عن طريق تقريب قضيب مغناطيسى من الأنبوبة الزجاجية فوجدوا أن الأشعة تنحرف فى مسار شبه دائرى مما يدل على أنها من الممكن أن تكون جسيمات مشحونة [٤ ،٥]، لكن تجربة أخرى أجراها الفيزيائى الألمانى Heinrich Hertz وجدت نتائج متعارضة مع ذلك التصور فقد وجد أنه تعريض الأنبوبة لمجال كهربائى جد فإن الأشعة لا تنحرف مما يدل على أنها ليست جسيمات مشحونة [٦] !!

لدينا الآن تجربتان متناقضتان و مزيد من الحيرة, هل تلك الأشعة الغامضة موجات أم جسيمات؟! استمر الباحثون فى تجاربهم للكشف عن ماهية تلك الأشعة فتوصلوا إلى أدلة تشير إلى أنها قد تكون جسيمات سالبة الشحنة. وجدوا أيضا أنها لا تعتمد على نوع المعدن المستخدم فى المهبط  (أى لا تعتمد على نوع مادة المهبط), و إلى أن النسبة بين  كتلة أشعة المهبط   إلى شحنتها إ ١\١٠٠٠ من  نفس النسبة بالنسبة إلى  أصغرذرة  ! [٤ ]( استنتج العلماء من ذلك إلى أن إما أنه أشعة المهبط تحمل شحنة كبيرة جدا أو أن كتلتها صغيرة جدا[٧]).

إنه الإلكترون
نعود الآن إلى تومسون مرة أخرى فى معمله و هو غارق فى خواطره عن سر هذه الجسيمات، هل هى ذرات مشحونة أم جزيئات أم هى جسيمات لم يعرفها أحد من قبل؟ كانت إحدى الألغاز التى حيرت العلماء هو أنه طالما كانت هذه الجسيمات  فلماذا لا تنحرف تحت تأثير المجال الكهربائى(الجسيمات سالبة الشحنة تتحرك فى عكس المجال الكهربى). كل من أجرى من الباحثين هذه التجربة كانت تعطيه دائما نفس النتيجة "لا انحراف" حتى جاء تومسون و عدل فى التجربة حيث جعل تقريبا الأنبوبة فارغة من الغاز فانحرفت أشعة المهبط تحت تأثير المجال الكهربى فى الاتجاه الذى يدل على انها سالبة الشحنة [٨].
انحراف أشعة المهبط تحت تأثير المجال الكهربى- Wikimedia Commons 

 أعاد تومسون بعض التجارب السابقة كتجربة نسبة الكتلة إلى الشحنة  و حصل على نفس النتيجة  المذكورة أعلى باستخدام أنابيب وغازات مختلفة [٧].  بعد تجربة العالم  Philipp Lenard الذى وجد أن أشعة المهبط يمكنها أن تخترق رقائق من الألومينيوم و رقائق من الذهب و بذلك أستنتج أن أشعة المهبط مكونة من جسيمات أصغر من الذرة وجد تومسون أنه على ثقة من أن أشعة المهبط جسيمات تحمل شحنة سالبة و أنها أصغر من الذرة و أنها و حدة البناء الأساسية لكل العناصر و المواد، أطلق تومسون على هذه الجسيمات اسم corpuscle  (أطلق عليها فيما بعد اسم إلكترونات electrons) أو الكريات[٧ ،٩]. أكدت تجارب أخرى فيما بعد  (كتجربة ميليكان) صحة فرض تومسون بأن الإلكترونات  أصغر من الذرة ، و بذلك يكون الإلكترون هو أول جسيم دون ذرى يتم اكتشافه[٧].

فى عام ١٩٠٤ اقترح تومسون نموذجه عن الذرة و الذى يمكن تشبيهه برغيف الزبيب[١٠ ،١١]. فى هذا النموذج  الذرة مكونة من كرة بها حساء من الشحنات الموجبة مغمور فيها الإلكترونات  أو كرغيف من الشحنات الموجبة منثورة به الإلكترونات كحبات الزبيب ، تربط بينهما قوى التجاذب الكهربى والتنافر الكهربى، هذا النموذج تم دحضه على يد تلميذه  إرنست راذرفورد عام  ١٩٠٩ و الذى اكتشف أن الشحنة الموجبة ليست منتشرة فى كل أنحاء الذرة كالسحابة أو الحساء بل مركزة فى جزء معين يدعى النواة[١١]. 

بذلك تكون قد انتهت رحلتنا مع ج.ج.تومسون و لكن لم تنتهى بعد مع الذرة. فى تدوينة قادمة إن شاء الله سنواصل الحديث عن الذرة و إسهامات علماء جدد فى معرفة تكوينها.



روابط ذات صلة:
الذرة:ديمقريطيس



روابط مفيدة










No comments:

Post a Comment